- -

كتاب : الإصلاح الدستوري في المملكة المغربية



الإصلاح الدستوري في المملكة المغربية
- القضايا الأساسية -
د. عبد العزيز النويضي

تـقـديـم

" ذات صباح من يناير 2005 ، و من مرتفع يطل على مشارف القدس الشريف أمام فندق الأقواس السبعة سألني باتريك مورلو ، العقل المفكر في المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية المكلف بالبرامج السياسي ،وكنا حينئذ عضوين في الوفد الدولي المشرف على الإنتخابات الرئاسية الفلسطينية ، سألني عن مميزات الدستور المغربي .و عندما انهيت كلامي علق مبتسما :

."You have not a constitutional monarchy , you have a monarchy with a constitution"

"ليست لديكم ملكية دستورية ،لديكم ملكية مع دستور".

و قد عبر عن هذه الفكرة في ندوة نظمتها أسبوعية "تيل كيل" فلخصها الصحفي اللامع أحمد رضا بنشمسي في صيغة أدق :
"Ce que nous avons , ce n'est pas une monarchie constitutionelle c'est une constitution monarchique ".

"ليست لدينا ملكية دستورية ، لدينا دستور ملكي".

هي شهادات افتتح بها الدكتور عبد العزيز النويضي كتابه "الإصلاح الدستوري في المملكة المغربية" و الذي نحن بصدده، ليستعرض بعدها مجموعة من الثعرات التي شابت و تشوب الدساتير المغربية و التي انبثقت نتيجة لهفوات عرفتها الدساتير المغربية ،(1962.1970.1972.1992. 1996 ) و قد أجمل هذه الثغرات في خمس نقط :

1- ليس هناك تراض و تعاقد من قبل كل الفاعلين السياسيين الرئيسيين على دستور يرتضيه الجميع و يقبلوا العمل في إطاره.
2- توجد بعض قواعد تقلد السلطة (ولاسيما العليا) خارج الدستور (مؤسسة البيعة) كما يتضمن الدستورصياغة تسمح لهذه السلطة نفسها بحرية تأويل سلطاتها بنفسها.
3- لا توجد قيود دستورية على السلطة الملكية.
4- لا يوجد فصل حقيقي للسلط على مستوى الملك و لا توازن بين السلطات.
5- لا توجد ضمانات دستورية فعالة للحقوق و الحريات أو لاستقلال القضاء.

هي ثغرات اعتمدها الكاتب لجملة من الإقتراحات الإصلاحية التي سنحاول من خلال ملخصنا هذا التطرق لبعضها ، فبهذه المقترحات يضعنا الكاتب أمام مشروع دستور جديد يتماشى و مقومات الدولة الحديثة كما يراها.

و قد اعتبر الدكتور في سياق الاصلاحات أن الإصلاح الدستوري هو جزء من الإصلاح السياسي الشامل الذي يحتاج إليه المغرب ، و عرف الإصلاح بأنه إصلاح الدولة و بقية الفاعلين الرئيسيين في الحقل السياسي و هي الأحزاب و النقابات و بقية المتدخلين الذين يؤثرون بشكل ملموس في الإختيارات المجتمعية و الدينامية الإجتماعية.

تم تقسيم الكتاب بعد الفصل الأول الذي شمل السياق الذي جاءت من خلاله هذه المساهمة الإصلاحية تحت عنوان " حول ضرورة الاصلاح الدستوري و ضرورة التوافق حوله" .يلج بعده غمار الاصلاحات الدستورية وفق بناء استنباطي يستهل بالمبادئ الاساسية و الحماية الدستورية للحقوق و الحريات في الفصل الثاني منتهيا بالجهوية و التنظيم اللامركزي للمملكة في الفصل السادس ، مرورا بالملكية و الحكومة و رد الإعتبار للبرلمان - حاول عبر هذه الفصول و الحال كذلك إعطاء اقتراحات اصلاحية مع تعليل ضرورة القيام بها و أهميتها.

سأعمل على التطرق لأهمها على سبيل الإستئناس و لأقربكم أكثر من هذه المقترحات:

- الديباجة-

على مستوى الديباجة ، فكما هو معلوم من النقاش الدائر و المستعر حول الهوية المغربية و مكوناتها الأمازيغية ، يقترح الكاتب التنصيص على الهوية الحضارية و الثقافية للمغرب لمعالجة المكون الامازيغي و دمجه مع المكون العربي الإسلامي ، فقد تم اقتراح التنصيص على أن الأمازيغية باعتبارها لغة وطنية ينبغي حمايتها و تطويرها ، و به يكون قد ساهم ألى حد ما في حسم الخلاف الدائر حول المكونات الامازيغية للمملكة و دسترتها ، و إن كان حريا به أن يعتبرها لغة وطنية رسمية موازاة باللغة العربية ..

-الـقـضـاء-

فيما يتعلق باستقلال القضاء فيرى الكاتب على أنه بالرغم من التنصيص على استقلال القضاء ، في الباب السابع من دستور 1996 ، عت السلطتين التنفيدية و التشريعية و عدم قابلية عزل قضاة الحكم و نقلهم إلا يمقتضى القانون ، فإن القانون المتعلق "بالنظام الأساسي لرجال القضاء" ، و اللأحرى أن يتم تغيير التسمية لأن القضاة فيهم نساء أيضا حسب الكاتب، هذا القانون كما يرى الدكتور لا يوفر ضمانات فعلية للقضاة ضد النقل و العزل حيث يترك لوزير العدل سلطة كبيرة في هذا المجال ، فالدكتور النويضي يطرح ضرورة تعزيز استقلال القضاء و حق الولوج إلى العدالة عبر مجموعة من المقترحات.

-الملـكية-

يحاول الدكتور عبد العزيز النويضي من خلال حديثه عن الملكية الدستورية الديمقراطية الإجتماعية في الفصل الثالث من الكتاب و الفصول التي تليه (الرابع و الخامس) ، فقد حاول ترجمة هذا المفهوم بكونه النظام الملكي الذي تشتغل فيه المؤسسات في إطار الدستور، و تمارس فيه جوهر سلطة الحكومة مرتكزة على أغلبية برلمانية .
و في إطار الفصل 19 من الدستور و الذي أثار الكثير من الجدل حول ضرورة تغييره ، فالكاتب يتساءل حول إمكانية الإحتفاظ بتصور إمارة المؤمنين المضمنة فيه و إرفاقها يالتصور الحداثي لمسألة الدين في الدستور ، و الذي يستبعد أي تفوق معياري له على القانون الوضعي؟ ففي هذا الإطار يرى الكاتب على أن التأويل الحداثي لهذه الصفة تزكيه بعض فصول الدستور كالفصل 29 من الدستور و الذي يحول دون القيام بأي تأويل يسمح بممارسة سلطات غير منصوص عليها صراحة ، كما يقترح تغيير مسطرة تنصيب الملك من مؤسسة البيعة إلى تنصيب عبر البرلمان أمام هيئة تضم ممثلي الأمة في البرلمان و أعضاء الحكومة و قادة الأحزاب السياسية و أعضاء المجلس الدستوري و أعضاء المجلس الأعلى للقضاء و قادة الجيش من رتبة جنرال.

يحاول الدكتور عبد العزيز النويضي من خلال كتابه هذا ، التعريج على مختلف و أهم المؤسسات الدستورية التي يجب تعديل مقتضياتها. ليصبح الدستور المغربي ملائما لمقومات الدولة الجديدة غير أن الإقتراحات التي أوردها الدكتور ليست بالمنزهة فهي قابلة للنقد و المناقشة .

و إن كنت لا أصل لمستواه الفكري و تجربته الحياتية التي راكمها من خلال عمله كأستاذ للقانون ، و مستشارا سابق للوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي ، تجعله لأكثر خبرة و احتكاكا بدهاليز الممارسة الفعلية للدستور.فسأدلو بدلوي ببعض الملاحضات حول بعض المقترحات فقط ، نظرا لكون المجال لا يتسع للإلمام بالكتاب كاملا لأننا أمام ملخص فقط. و للإطلاع أكثر على هذه الإصلاحات أرى على أنه من الضروري قراءة الكتاب ، و الذي تجدون في مرفقاته نص مقترح الدستور كاملا إضافة إلى الدستور الحالي للمملكة 1996.


- مـلاحـظات -

تحدث عبد العزيز النويضي عن الملكية الدستورية الديمقراطية الإجتماعية ، و اعتبر أن الفصل 29 يمنع الملك من تأويل اختصاصاته على اعتبار أن هذا الفصل يمنح الملك ممارسة اختصاصاته صراحة بموجب الدستور ، و بالتالي لا يمكنه تأويلها و تجاوزها ، غير أن الفصل 19 من الدستور غارق في العمومية و بالتالي يمنح الملك سلطات موسعة ، دينية ، قضائية ، تنفيدية ، إضافة إلى السلطات المخولة له صراحة بموجب الدستور .

أشار الكاتب أيضا إلى بنية البرلمان الثنائية ، و اعتبر أنه بإحداث غرفة أخرى بالبرلمان ( مجلس المستشارين ) قد تم إضعاف الحكومة و البرلمان معا. و هو ما أخالفه الرأي حوله ، بحيث أنه لو تم الإحتفاظ بغرفة واحدة (مجلس النواب) سنكون أمام غرفة تسيطر عليها الأغلبية الحكومية و بالتالي تستطيع الحكومة تمرير ما تريد عبر مجلس النواب ، ة به سنكون قد أفرغنا البرلمات من مهمته الأساسية و هي مراقبة عمل الحكومة ، و هكذا فالغرفة الأخرى ( مجلس المستشارين) تقوي أداء البرلمان في إطار مراقبته للحكومة على اعتبار أن هذه الغرفة بإمكانها أن تتألف من أغلبية معارضة.

و اعتبارا لأهمية هذه المبادرة من طرف الكاتب و التي تعتبر ذات أهمية بالغة خاصة ما يتعلق بالنقاش الدائر حول ضرورة إيجاد صيغة متوافق حولها ، لدستور يرتضيه الجميع و يتماشى و مقومات الدولة الحديثة و قواعد الديمقراطية و حقوق الإنسان و أيجاد حل دستوري لعدد من القضايا العالقة داخليا و ديبلوماسيا ، فلا يسعنا إلا التنويه بهكذا مساهمة ، مع العلم أن هذا الكتاب صدر سنة 2005 و بالتالي كان له قصب السبق في معالجة هذه القضية ..

تم بحمد الله