- -

الجهوية الموسعة و الإقلاع الإقتصادي



يرتقب تقديم التقرير الذي أعدته اللجنة الإستشارية للجهوية ، أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس ، خلال الدخول السياسي المقبل الذي يأتي في وقت تتخبط فيه الدولة في براثن الأزمة المالية و تبعاتها على اقتصادنا الوطني بعجز قدر بحوالي 14 مليار درهم خلال الربع الأول من هذه السنة ، و مقترح الجهوية الذي ينتظر منه الشيء اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا .

و علاقة بالميدان الإقتصادي هل تستطيع الجهوية المتقدمة أن ترقى بالإقتصاد الوطني و تجاوز تبعات الأزمة ؟ هل للجهوية علاقة بالإقتصاد ؟ و هل يكون للجهوية دور و تأثير في التوجه الإقتصادي للدولة؟ أسئلة و غيرها سنحاول التطرق لمضامينها لسبر أغوار إمكانية تحقيق الجهوية للإقلاع المنشود و تجاوز تبعات الإزمة المالية عبر التعرف على أهم النقط الدائر النقاش حولها بالنسبة لمشروع الجهوية الموسعة (مبحث أول) و علاقتها بالإقتصاد الوطني (مبحث ثان ) .

مبحث أول : نظرة عامة حول الجهوية الموسعة .

منذ ثمانينيات القرن الماضي توجه المغرب نحو نهج اللمركزية الإدارية ، و تعزز ذلك باعتبار الجهة جماعة محلية عبر التنصيص على ذلك في دستور 1996 و المعمول به حاليا ، و منذ توليه زمام الحكم في البلاد سار الملك محمد السادس على نهج سلفه بوتيرة أسرع تروم تنمية شاملة للبلاد عبر مختلف المجالات ، و سيرا في نفس الإتجاه و للتخفيف من التبعية المركزية و السير في إطار حكامة محلية ، عين جلالته اللجنة الإستشارية للجهوية و التي أسندت رئاستها لسيد عمر عزيمان ، هذه اللجنة التي حملها الملك مسؤولية وضع تصور لجهوية متقدمة أنطلاقا من مقوماتنا الثقافية و الإستفادة من التجارب الأخرى دون تقليدها لتضع تصورا مغربيا %100 .

و من المرتقب و حسب ما يروج من نقاش حول الجهوية المتقدمة المزمع تطبيقها بالمملكة المغربية ، سيعمل هذا النظام على الحد من التبعية للإدارة المركزية و لو نسبيا عبر توسيع اختصاصات رئيس الجهة الذي يعتبر حاليا كمنصب شكلي في الوقت الراهن رغم أنه يفرز بطريق الإنتخابات ، مقارنة مع والي الجهة التابع للدولة و المتمتع باختصاصات واسعة ، و بالتالي من شأن نظام الجهوية المتقدمة توسيع اختصاصات رئيس الجهة على حساب الوالي ،و ذلك ترسيخا للديمقراطية المحلية و الحكامة المحلية الرشيدة ، و ينتظر أن يمتع هذا النظام الجهة بصلاحيات مالية موسعة أقرب إلى استقلال مالي وفر للجهة صلاحية تدبير شؤونها الإقتصادية ، ما سيضعها أمام تحدي تنويع مواردها و البحث عن استثمارات للجهة دعما لها اقتصاديا ، و توسيع صلاحيات رئيس الجهة إضافة إلى الجهاز المنتخب المصاحب له في تسيير الجهة سيكون أشبه بحكومة محلية منتخبة.

و هناك رأي يفيد بإمكانية تمتيع الجهة بجهاز تشريعي على غرار الحكم الذاتي المزمع تطبيقه في الصحراء المغربية غير أن هذا الرأي مستبعد ، و ما هي إلا أيام قليلة و نتعرف عما ستجود به قريحة اللجنة الإستشارية للجهوية و عن النمودج المغربي للجهوية المتقدمة .

مبحث ثان : الجهوية المتقدمة و الإقلاع الإقتصادي .

إن التطبيق الأمثل للجهوية المتقدمة وفق المنظور الذي يطمح جلال الملك و الشعب ، سيمكن البلاد من حكامه محلية ناجعة ، و ترسيخ أسس الديمقراطية و اللامركزية ، و التنمية الإقتصادية ، هذه الإخيرة التي من المنتظر أن تدعم بفضل الجهوية المتقدمة ، التي يرتقب أن تمنح استقلالية مالية للجهة و لو نسبيا، ما سيخفف عبء التسيير الكلي على وزارة الإقتصاد المالية ، لفائدة المؤسسات المالية الجهوية ، و قد يكتفي القطاع الوصي بالإشراف على السياسة المالية للجهة و المحافظة على النهج العام للدولة .

كما أن هذا الوضع سيفتح أمام الجهة باب البحث عن موارد إضافية لتدعيم مالية الجهة و الرفع من مردودها و نشاطها الإقتصادي ، خصوصا و أن الدولة تسير في اتجاه تعدد الأقطاب الصناعية و بالتالي فالمجالات الصناعية ستتوفر في جل أو كل الجهات و سيبقى عبء استقطاب الإستثمار إليها على عاتق الجهة. و التوجه نحو حكامة ضريبية محلية ، خالية من التهرب .

إن التوجه نحو الجهوية المتقدمة يشكل دفعة قوية في اتجاه الحكم الذاتي لصحرائنا المغربية ، و في حال تم حل النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية سيكون ذلك تدعيما للموارد الدولة من حيث الوارد الطبيعية و الطاقية خصوصا ما تزخر به المنطقة من معادن.

الخطب الملكية و النقاش الوطني ، يظهر مدى أهمية نظام الجهوية الموسعة في حل عدد من القضايا العالقة ، غير أن نجاعة التطبيق و الوصول للمبتغى ، رهين بالتطبيق الأمثل عبر كفاءة بشرية و حكامة محلية كأداة لتحقيق الإقلاع و الوصول للنتائج المرجوة من هذا الورش المفتوح الذي يرمي إلى جهوية متقدمة مغربية صرفة .